انعقاد منتدى التعاون الصيني ـــ الأفريقي التاسع ببكين: دلالات وتحديات د. محمد حسن سعد

انعقاد منتدى التعاون الصيني ـــ الأفريقي التاسع ببكين: دلالات وتحديات

في الرابع من أيلول/سبتمبر 2024، بدأت فعاليات منتدى التعاون الصيني ـــ الأفريقي التاسع في بكين، وهو الحدث الأبرز دبلوماسياً في العاصمة الصينية خلال السنوات الأخيرة وفق تصريحات المسؤولون الصينيون، باعتباره اللقاء الأول الكبير بين قادة الصين وأفريقيا في بكين منذ عام 2018، ويهدف إلى تعزيز الشراكة بين بكين والدول الأفريقية، خاصة في ظل التحديات الإقتصادية والسياسية العالمية المتزايدة. ولقد شهدت السنوات الماضية، تطوراً ملحوظاً في العلاقات الصينية ـــ الأفريقية، حيث ارتفعت الصين لتصبح أكبر شريك تجاري لأفريقيا، مع تدفق نسبة كبيرة من صادرات القارة إلى الصين، والتي تشمل المعادن والوقود. الدلالات الرئيسية لمنتدى التعاون الصيني ـــ الأفريقي 1. زيادة النفوذ الصيني في أفريقيا: القارة الأفريقية، بما تمتلكه من احتياطيات غنية من المعادن الإستراتيجية وسوق استهلاكي كبير، أصبحت محور تنافس بين القوى الدولية الكبرى، وخصوصاً بين الصين والولايات المتحدة. وقد تمكنت بكين من تعزيز نفوذها من خلال الإستثمار في مشاريع بنية تحتية ضخمة، مثل محطات الطاقة والسدود والطرق. وفي استطلاع للرأي أجري في 3 أيلول/سبتمبر 2024، أظهر أن 82% من الشباب الأفارقة يرون أن للصين تأثيراً إيجابياً على القارة، متفوقة بذلك على الولايات المتحدة التي حصلت على تأييد 79% فقط. 2. تجنب الشروط السياسية في القروض الصينية: تميز سياسة الإقراض الصينية بعدم ربطها بشروط سياسية، مثل تلك التي تفرضها المؤسسات التمويلية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وهذا يجعل القروض الصينية أكثر قبولاً لدى الدول الأفريقية. وعلى الرغم من انخفاض قروض الصين لبعض السنوات، فإنها ارتفعت مرة أخرى إلى 4.6 مليار دولار في العام 2023، مما عزز نفوذ بكين في القارة. 3. تنمية الشراكات مع دول الجنوب العالمي: تسعى الصين إلى قيادة دول الجنوب العالمي، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها من القوى العظمى الأخرى. المنتدى يعكس إستراتيجية الصين لتعزيز موقعها كقوة رائدة في الجنوب العالمي ودعم مصالحها في المؤسسات الدولية. 1. الإستثمار في الطاقة الخضراء: توجه الصين استثماراتها في أفريقيا نحو مشاريع الطاقة الخضراء مثل الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية، وتأتي هذه الاستثمارات في سياق مواجهة الصين لتعريفات جمركية عالية في الأسواق الغربية وتحديداً في الولايات المتحدة الأميركية، مما يعزز من مكانتها كمورد رئيسي للتكنولوجيا الخضراء في القارة الأفريقية. 4. التحديات التي تواجه الصين في أفريقيا 1. فخ الديون الصينية: رغم المساعدات التي قدمتها القروض الصينية، إلا أن العديد من الدول الأفريقية تجد نفسها في أزمة ديون متزايدة. وقد أعاد تخلف زامبيا وغانا عن سداد ديونهما تسليط الضوء على مشكلة الديون الصينية، حيث إن أنغولا على سبيل المثال تدين لبكين بنحو 17 مليار دولار. 2. مطالب الأفارقة بمزيد من الاستثمارات: الدول الأفريقية تضغط من أجل تحسين علاقاتها مع الصين، لتجاوز مشكلة الديون والتركيز على الإستثمارات التجارية التي تعزز إقتصاداتها. وقد أكد رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا على أهمية تحسين العلاقات التجارية بين بلاده والصين. 3. المنافسة الغربية في تمويل البنية التحتية: بعد فترة من تفوق الصين في تمويل مشاريع البنية التحتية، أطلقت القوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، مبادرات جديدة لمنافسة الصين في هذا المجال، مدفوعةً بقلقها من تزايد النفوذ الصيني في القارة. 4. عدم اكتمال بعض المشاريع: بعض المشاريع الصينية الكبرى في أفريقيا، مثل مشروع السكك الحديدية في كينيا، لم تكتمل بعد، مما يثير استياء بعض الدول الأفريقية من عدم وفاء الصين بتعهداتها في إطار مبادرة “الحزام والطريق”. وبناء على ما تقدم، يُعقد منتدى التعاون الصيني ـــ الأفريقي لعام 2024 في سياق دولي يشهد تنافساً متزايداً بين القوى الكبرى وتزايد التوترات بين الشمال والجنوب حول القضايا العالمية. ويعكس المنتدى إستراتيجية الصين لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية وتوسيع دورها كقوة رائدة في الجنوب العالمي، الذي بات حاضراً بقوة في الساحة الدولية. وفي ظل الظروف العالمية الحالية، يبقى المنتدى منصة هامة لتقييم مستقبل الشراكة الصينية ـــ الأفريقية ومواجهة التحديات والفرص التي تنطوي عليها.