خاص

نتنياهو بين الأزمات الداخلية وتحديات البقاء وفاء بهاني

نتنياهو بين الأزمات الداخلية وتحديات البقاء

وفاء بهاني

صحيح أن إقالة نتنياهو لوزير الدفاع غالانت واستبداله بشخصية مقربة منه، خطوة ستؤدي إلى تداعيات مجتمعية وسياسية وحزبية كبيرة، وستؤثر على مسار الحرب في غزة ولبنان. هذه الخطوة قد تؤدي إلى تصدعات في العلاقة بين المؤسستين العسكرية والأمنية من جهة، والمؤسسة السياسية من جهة أخرى. ومع ذلك، من خلال التجارب السابقة، تمكن نتنياهو من السيطرة على المعارضة الصهيونية التي لم تُثبت قدرتها على تحشيد الشارع أو تقديم برنامج بديل. وغالبًا ما كانت تلك المعارضة تتخذ مواقف متناقضة، إما عن يسار نتنياهو أو يمينه، لكنها في النهاية تخضع لما يريد.

قام نتنياهو بحل المجلس الأمني المصغر بعد انسحاب غانتس وإيزنكوت منه، ومع ذلك لم تتأثر شعبيته أو حكومته. حتى احتجاجات عائلات الأسرى التي حمّلته مسؤولية تعثر صفقات التبادل، تمكن من احتوائها وتقليص تأثيرها. وعلى الرغم من أن النقابات العمالية دخلت في الإضراب لدعم قضية الأسرى، إلا أن نتنياهو أفشل هذا التحرك عندما وصفه بأنه “إضراب سياسي” يسعى للتأثير على القرارات الحكومية، مما دفع المحكمة لإيقافه وتراجع الاتحاد العام للنقابات (الهستدروت) عن الإضراب.

وجه نتنياهو أيضًا ضربة قوية لغالانت، فلم يكتفِ بإقالته واستبداله بصديقه المقرب “يسرائيل كاتس”، بل اتهم غالانت أيضًا بتسريب أسرار أمنية وعسكرية من مكتبه، مما عرّض الأخير لضغوط كبيرة. وتشير التقارير إلى أن مدير مكتبه فيلدشتاين متورط في تسريب وثائق مزورة نُسبت إلى السنوار وقيادة حماس حول شروط صفقة الأسرى وتهريبهم خارج غزة. كما يُتهم غالانت بالدعوة لتجنيد 7 آلاف من اليهود الحريديم، مما زاد من رغبة الحريديم في دعم إقالته، حيث يؤيدون بقاء نتنياهو في الحكم مع إعفائهم من الخدمة العسكرية.

أما بن غفير، فقد رحب بإقالة غالانت وأكد أنه لن يكون هناك تبادل للأسرى، فيما يستعد الوزير الجديد “كاتس” لتقديم مشروع قانون يُعفي الحريديم من الخدمة العسكرية، ومن المتوقع أن يمر القانون بسهولة في الكنيست.

يظل نتنياهو لاعبًا قويًا على الساحة الصهيونية، متحكمًا في القرار السياسي والعسكري دون أن يلتفت للمعارضة الداخلية، التي أظهرت عجزها عن تقديم برنامج بديل أو قيادة الشارع. لقد استطاع تطويع المجتمع الصهيوني، خاصة بعد سلسلة عمليات الاغتيال التي نفذها ضد قيادات حزب الله وحماس، بما في ذلك اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ونائبه هاشم صفي الدين، ورئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية، وأخيرًا خليفته يحيى السنوار في رفح.

رغم أزماته الداخلية والتوترات بين حلفائه، يتقن نتنياهو فن تصدير مشاكله والهروب منها، حيث يضع مصالحه السياسية والشخصية فوق أي اعتبار. لذلك، من المستبعد أن يوقف إطلاق النار أو يدخل في صفقة لتبادل الأسرى، لأن ذلك قد يقود إلى انتخابات مبكرة ولجان تحقيق تهدد بقاء حكومته، وربما تدفعه نحو السجن.

يسيطر نتنياهو بقوة على المجتمع الصهيوني والحكومة والجيش والأمن والقضاء، مستفيدًا من غياب البديل وضعف الحراك الجماهيري وانعدام الضغوط الخارجية عليه. وحتى الآن، لم تنجح المعارضة ولا الضغوط الشعبية في إسقاط حكومته، إذ أن ما قد يُسقطه حقًا هو تغيير في الموقف الأمريكي أو خسارة الحرب في الجبهتين اللبنانية وقطاع غزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى