انحدارٌ وطنيٌ خطير: خطاب محمود عباس… عدوان سياسي على المقاومة وتكريس للانقسام اياد عبد العال- لبنان

في ذروة العدوان الصهيوني المستمر على قطاع غزة، وحرب الاباده ضد شعبنا حيث يتساقط الشهداء وتُرتكب المجازر بحق المدنيين، والهجمه الشرسه على الضفه ومخيماتها ، صعد محمود عباس من على منصة المجلس المركزي الفلسطيني، لا ليحمل صوت شعبه الجريح، بل ليصوّب سهامه نحو قوى المقاومة وشعبه، متجاوزًا كل حدود الوطنية والأخلاق السياسية، في مشهد يُجسّد انهيارًا خطيرًا في الخطاب الرسمي الفلسطيني.
لقد تضمّن الخطاب الذي ألقاه عباس إساءات فجّة ومباشرة لفصائل المقاومة الفلسطينية، في لحظة كان يفترض بها أن تكون لحظة توحّد الصفوف لا ان يتم تفريقها، وتثبيت خيار المواجهة لا الطعن به. هذه الإساءات لم تكن مجرد زلّة لسان، بل جاءت كرسالة سياسية ممنهجة، تكشف مدى الانفصال التام للقيادة الرسمية عن واقع شعبها وتضحياته وآماله ، وكم هو عميق التورط في مشروع إضعاف الجبهة الداخلية وتمزيق الحالة الوطنية.
إن قوى المقاومة التي تخوض المواجهة الحقيقية في الميدان، وتدفع الدم والروح ثمنًا لكرامة هذا الشعب، لم تكن بحاجة إلى شهادة من مجلس فقد شرعيته الوطنية منذ أن تحوّل إلى أداة للتفرد والوصاية. المجلس المركزي الذي انعقد في غياب التوافق والشرعيه، وبغياب فصائل وقوى وازنة، لا يمثّل الشعب الفلسطيني، بل يمثّل مصالح طبقة سياسية فقدت البوصلة، وتبحث عن بقاءها عبر التوريث والارتهان، حتى وإن كان الثمن تصفية ما تبقى من المشروع الوطني.
وما يُفاقم خطورة هذا الخطاب ليس فقط محتواه، بل مصدره: رئيس منتهية ولايته فاقد لشرعيته منذ ما يزيد عن عقد ونصف، ومجلس مركزي فاقد للشرعية الشعبية والدستورية. فهذه القيادة لم تُنتخب عبر صناديق الاقتراع، ولم تجدّد شرعيتها من خلال الشعب، بل استمرّت في الحكم عبر التعطيل الممنهج للمؤسسات، واحتكار القرار الوطني، وتغليب مصالحها الضيقة على حساب المصلحة العامة. ومن هنا، فإن كل ما يصدر عنها لا يمثل الإرادة الفلسطينية الجمعية، ولا يعبّر عن مشروع التحرر الذي يناضل من أجله الشعب.
خطاب عباس لم يكن موجّهًا للاحتلال، بل بدا كأنه يخاطب المحتل بلغة الرضوخ والتسليم، ويخاطب أبناء شعبه بلغة الإهانة والتخوين. هذا الخطاب المتماهي مع سرديات العدو، الذي يحمّل المقاومة مسؤولية الدم الفلسطيني، هو في جوهره عدوان سياسي داخلي، لا يقل خطورة عن العدوان العسكري الخارجي، لأنه يفتح جبهة داخلية موازية يستفيد منها الاحتلال، ويضرب ركائز الوحدة والصمود. ان التهجم على المقاومه هو انكار لوجود الاحتلال ، وانقلاب على المشروع الوطني ، وخيانه لدماء الشهداء على مدي مائه عام، وتنكر لتاريخ طويل من النضال الفلسطيني.ومن المؤسف أن يُستغل منبر المجلس المركزي لإطلاق هذا الخطاب المشين، بدل أن يكون منبرًا لبلورة استراتيجية وطنية جامعة ترتقي إلى مستوى التحديات والمجازر الجارية.
ما قاله محمود عباس يُعبّر بوضوح عن نهاية مرحلة سياسية فاشلة، كرّست الانقسام، وأجهضت الانتفاضات، وصادرت إرادة الشعب، وراهنت على مفاوضات عبثية لم تُنتج سوى المزيد من الاستيطان والتنسيق الأمني والتهميش. وليس غريبًا أن تكون هذه القيادة هي ذاتها التي تقف اليوم في مواجهة المقاومة، بدل أن تقف خلفها.
إن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى خطابات تبريرية تُبرّئ العدو وتُدين المقاوم، بل يحتاج إلى قيادة تعيد الاعتبار لقضية تحرره الوطني، وتستعيد وحدة صفه الميداني والسياسي، من خلال العوده الى الشعب بعيدًا عن الارتهان والتنسيق والتنازلات.
وإننا نقول بوضوح: لا شرعية لقيادة تهاجم مقاومة شعبها. ولا مستقبل لمشروعٍ يُدار من فوق إرادة الناس، أو يُفرض من غرف مغلقة. إن استمرار هذا النهج الكارثي لم يعد يحتمل الصمت، ومهمة تغييره باتت واجبًا وطنيًا عاجلًا يقع على عاتق كل اطياف الشعب الفلسطيني افرادا وجماعات.
فليعلم من يهاجم المقاومة أن الشعب الفلسطيني لن يقبل أن يُساء إلى كرامته الوطنية، ولا أن يُختطف قراره السياسي. المقاومة باقية، لأنها تعبّر عن نبض الناس، وعن جوهر الهوية الوطنية وهي حق كفلته كل المواثيق والاعراف وكل ما عداها إلى زوال.