غزة في مواجهة الإبادة: صمت دولي وإرادة لا تُكسر بقلم: وفاء بهاني

عندما يحوّل العدو الإسرائيلي الجوع إلى سلاح، ويُمعن في قتل الشعب الفلسطيني وإبادته بطائراته الحربية والمُسيّرة، وبصواريخه الأمريكية، ويُحكم حصارًا قاتلًا على قطاع غزة، مانعًا دخول المواد الغذائية، ويستخدم منع الدواء كسلاح فتاك لا يقل خطورة وإرهابًا عن ترسانته العسكرية؛ فإننا أمام جريمة مكتملة الأركان تُرتكب بحق شعب بأكمله على مرأى ومسمع من عالم تجرد من كل القيم الإنسانية والأخلاقية.
في غزة فقط، كُتب على أطفالها أن يتجرّعوا الموت بصوره المتعددة. في غزة فقط، يتقن السفّاح الصهيوني ذبح شعبٍ بالحصار والقتل والتشريد. في غزة فقط، كل شيء مباح للعدو الإرهابي الذي يسعى لانتزاع حياة الفلسطينيين واستبدالها بالموت الأسود. ولو استطاع، لمنع عنهم حتى الهواء.
في واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في التاريخ المعاصر، وسط صمت دولي يُثير القلق، وتواطؤ سياسي مكشوف من قِبل قوى كبرى لطالما رفعت شعارات الحرية وحقوق الإنسان.
العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة تخطّى كل الخطوط الحمراء، ليتحوّل إلى ما يمكن وصفه بعملية إبادة جماعية ممنهجة. آلاف الضحايا سقطوا، جلّهم من الأطفال والنساء، فيما لا تزال جثث كثيرة عالقة تحت الأنقاض دون أن يُسمح حتى بعمليات الإنقاذ. الأسلحة المستخدمة في العدوان، وفق تقارير موثقة، تشمل أنواعًا محرّمة دوليًا، تُستخدم دون تمييز في أحياء مكتظة، وتستهدف منشآت مدنية وطواقم إغاثية وطبية.
الحصار المفروض على غزة منذ سنوات، والمُشدَّد في هذه الحرب، زاد من مأساة السكان، وحوّل القطاع إلى سجن كبير تنعدم فيه المقومات الأساسية للحياة. في المقابل، تلتزم المؤسسات الدولية صمتًا محرجًا، وتخضع لشللٍ سياسي يمنعها من اتخاذ خطوات فعلية لحماية المدنيين ووقف العدوان.
اللافت في هذا المشهد الدموي أن الاحتلال لم يعد يُخفي جرائمه، بل بات يوثّقها ويتباهى بها، في استعراض فج للقوة والعقيدة الاستعمارية التي تقوم عليها دولته. مشاهد الجنود المحتفلين بتدمير المنازل، وصور الأطفال القتلى التي تمر دون مساءلة، تفضح حجم الانحدار الأخلاقي في تعامل بعض الأنظمة العالمية مع القوانين الدولية.
الدعم الأمريكي والغربي للاحتلال لم يعد يقتصر على المساعدات العسكرية، بل بات يشمل غطاءً سياسيًا كاملاً في المحافل الدولية، ما يجعل من هذه القوى شريكة فعلية في استمرار العدوان، ويكشف ازدواجية المعايير التي باتت تميّز خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان في الغرب.
أما المواقف العربية الرسمية، فبقيت في معظمها رهينة الصمت أو التطبيع، ما شجّع الاحتلال على المضي في جرائمه دون رادع. بعض هذه الأنظمة لم تكتفِ بعدم التحرك، بل قمعت الأصوات الشعبية المتضامنة، في انحياز مكشوف يخالف نبض الشارع العربي.
ورغم هذه اللوحة القاتمة، فإن التحركات الشعبية في شتى أنحاء العالم تُثبت أن الضمير العالمي لم يمت. المظاهرات، حملات المقاطعة، والضغط الإعلامي والسياسي باتت أدوات فاعلة تُربك ماكينة الدعاية الصهيونية، وتُعيد صياغة الوعي العالمي تجاه ما يحدث في فلسطين.
وفي هذا السياق، جاء بيان “المنتدى الإسلامي للبرلمانيين الدوليين” ليقدّم نموذجًا لما يجب أن تكون عليه المواقف الرسمية: تضامن مقرون بخطة عمل، وضغط سياسي يترجم الغضب الشعبي إلى مسارات مؤثرة داخل البرلمانات الحرة.
لم تعد القضية الفلسطينية شأنًا محليًا؛ لقد تحوّلت إلى معيار تُقاس به إنسانية العالم ومصداقية خطابه الحقوقي. المطلوب اليوم كسر الحصار دون انتظار، وفرض عقوبات على الاحتلال، ووقف التعاون معه، وخلق موجات ضغط لا تهدأ في الشارع العربي والإسلامي.
ويبقى لمنظمات المجتمع المدني دور محوري في ميادين الإغاثة، والدفاع الإعلامي، وتثبيت الرواية الحقيقية في وجه محاولات الطمس والتزييف.
رغم الدم النازف، فإن الأمل لا ينطفئ. التاريخ يعلّمنا أن الاحتلال لا يدوم، وأن الشعوب قادرة على تغيير المعادلات مهما بدا الظلم مطبقًا. صوت غزة لا يزال يدوّي، وإرادتها أقوى من أن تُكسر. وما زال فجر العدالة، وإن تأخر، قاب قوسين من البزوغ.