النقب: نكبة موقوتة في النقب والشعب بالمرصاد

وفاء بهاني
يحتل النقب في المخططات الصهيونية مكانة مهمة عالية، جعلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من استيطان النقب بنداً ثابتاً، وكرّست لأجله البحوث والبرامج والأموال، وترافق ذلك مع إعطاء الصلاحية للجيش والشرطة باستخدام الإرغام والقمع والتنكيل والهدم والمصادرة والتشريد في حق المواطنين الفلسطينيين سكان النقب.
بعض الزعماء الصهاينة (أمثال دافيد بن غوريون، أرئيل شارون، بيغن وغيرهم . . .) اختاروا أرض النقب مكاناً لسكناهم أو لمزارعهم، تشجيعاً وتحفيزاً للاستيطان وتقديم قوة المثال للمستوطنين الصهاينة.
تعود تسمية النقب بهذا الاسم إلى أمرين: الأول أنها مشتقة من الكلمة الكنعانية (نجب) أي الأرض الجافة، ويتلاءم هذا المصطلح مع البيئة الصحراوية المعروفة بقلة هطول الأمطار فيها، والمعنى الثاني لكلمة النقب هو الطريق بين الجبلين والمنقبة هي الطريق بين الدارين، وتدل هذه التسمية على أهمية النقب من الناحية الجغرافية الاستراتيجية، فالإقليم عبارة عن منطقة عبور، كما أن النقب يُعرف بأنه بوابة بلاد الشام إلى البحر الأحمر وشرقي إفريقيا . وتعد مدينة بئر السبع أكبر المدن وأهمها في النقب، إلى درجة أن النقب سمي بقضاء بئر السبع؛ ونظرًا لهذه الأهمية التاريخية والجغرافية وضعت “إسرائيل” تهويد النقب نصب أعينها منذ إقامتها.
موجة استئصالية إسرائيلية مُوجهة ضدّ عرب النقب، تتجلى بوضوح في إبادة مزارع البدو، وهدم المزيد من البيوت بحجة عدم الترخيص وغيرها . فالحجج هي غطاء لمشروع استعماري عنصري يهدف إلى اجتثاث عرب النقب جغرافياً وتاريخياً وديموغرافياً من أرض يعيشون عليها منذ قرون، وقبل قيام المدن والمستوطنات اليهودية في النقب بعقود طويلة . والهدف الاستراتيجي الإسرائيلي هو محو معالم الإنسان والأرض والتاريخ العربي في النقب، وتعليب عرب النقب داخل محميات صغيرة، تعيش داخل محيط ذي أكثرية يهودية تملك أكثرية الأرض والمصادر الاقتصادية في النقب.
يعيش سكان هذه المناطق في ظروف معيشية صعبة داخل خيم وبيوت من الصفيح، دون أي خدمات إذ لا توجد وسائل مواصلات تخدم المناطق والطرق بدائية، كما يفتقر العديد من السكان إلى الوصول المباشر إلى الماء والكهرباء، لأنهم يعيشون في قرى لم تعترف بها “إسرائيل” رسميًا، وهي سياسية إسرائيلية لمنع تطوير النقب وبالتالي القيام بعملية التهويد، وكانت البداية ما قامت به سلطات الاحتلال بتجريف المناطق السكنية والتشجير في أراضيها لصالح مشاريع بيئة، لفرض واقع جديد على الأرض، من خلال تحريجها ثم تسييجها ومنع أصحاب الأراضي العرب من استخدامها. بحيث يعيش العرب في أقل مساحة جغرافية ممكنة والحد من تمددهم.
مشروع برافر او مخطط برافر – بيغن الذي صادقت عليه حكومة الاحتلال في 25 من حزيران 2013 كان ومازال من بين أخطر المخططات التهويدية، إذ يهدف إلى السيطرة على 850 ألف دونم من أرض النقب، وتهجير أكثر من 80 ألفاً من أهلها، وتجميعهم في ما يسمى “بلديات التركيز”، وتدمير نحو 40 قرية بدوية.
أما الحجة الإسرائيلية فهي تنظيم وضع القرى العربية غير المعترف بها في النقب، من خلال حصر أهل القرى في تجمّعات سكنية تختلف تماماً عن واقعهم البدوي. ويعتبر الفلسطينيون هذا المشروع وجها جديدا لنكبة فلسطينية جديدة. إلا أن إسرائيل قد تراجعت عن هذا المشروع في كانون الأول/2013، نتيجة للضغوط الشعبية العربية داخل الخط الاخضر.
بقي النقب في العقل الصهيوني رمزاً لتطبيق معادلة تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين، وإحلال اليهود من شتى أنحاء العالم مكانهم، ويُعد هذا تجسيدًا لأحد المبادئ الأساسية للصهيونية، وهو مبدأ الهجرة اليهودية الذي يتبعه ويرتبط به مبدأ الاستيطان.
وإذا كانت إستراتيجيّة القضم والنّهب للأرض ومخطّطات التّركيز في البلدات واقتلاع القرى تهدف إلى تهويد الحيّز الجغرافيّ، فإنّ تهويد الأسماء بإحلال أسماء توراتيّة وعبريّة للأماكن جاءت رافدًا آخر لتهويد الوعي والذّاكرة التّاريخيّة للمكان. في هذا السّياق، يفهم مرسوم 6 لسجلّ المواطنين عام 1974 الّذي استبدل الأسماء التّاريخيّة للقُرى بأسماء القبائل والعشائر. هكذا غيّرت الدّولة العنوان في بطاقة الهُويّة مستبدلة الاسم التّاريخيّ باسم العشيرة، وبما ينسجم مع ذلك أوجدت أسماء عشائر ومشيخات جديدة. الهدف هو التّأكيد على عدم علاقة النّاس الثّابتة مع الأرض؛ لأنّ العشيرة توحي بالرّحيل والتّنقّل. هذه السّياسة طالت أيضًا أسماء بلدات التّركيز الّتي بادرت لها الدّولة وأعطتها أسماء توراتيّة مثل: راهط، تل شيبع، عروعير، شيقب شلوم، مرعيت، بيت فلط مولاداه وغيرها. في هذا السّياق، يُذكر أنّ الدّولة صادرت أراضيَ واسعةً لإقامة بلدات التّركيز هذه. وحين حاول أصحاب الأرض استباق الأحداث ببناء البيوت عام 1973، كما حدث في رهط، ردّت الدولة بحملة هدم واسعة واعتقال وسجن فعليّ لبعض أصحاب البيوت. هكذا بدأ مسلسل الهدم في النقب متزامنًا مع بناء بلدات التّركيز والتّوطين القسريّ.
في إطار معركة جس النبض وتطبيق مشروع برافر التهويدي قامت دولة الاحتلال بهدم قرية العراقيب للمرة السادسة والتسعين بعد المائة منذ مطلع عام 2000 ولغاية الآن، وكذلك جرى هدم قرية أم الحيران في كانون الثاني/2017.
اليوم الاحتلال وفي ظل حكومة بينت القادم من جبهة الاستيطان يمثل الشكل الأعنف للصهيونية الاستعمارية، خصوصاً بعد معركة “سيف القدس”، إذ بتنا نشهد عدواناً واسعاً على شعبنا الفلسطيني، حيث وتائر الاستيطان ومصادرة الأراضي تتكثف وتتصاعد بشكل جنوني في القدس والداخل الفلسطيني’48’ والضفة الغربية، وضمن هذه السياسة يجري استهداف القرى والبلدات العربية في النقب،وخاصة ما يعرف بالقرى العربية ال 38 غير المعترف بها من قبل دولة الاحتلال،والتي وجودها سابق لوجود دولة الاحتلال، الاحتلال قلق من زيادة السكان العرب في النقب والمساحات الكبيرة من الأرض التي يمتلكونها،ولذلك هو يريد العودة مجددا لتهويد النقب وتهجير سكانه العرب والعمل على تجميعهم وتركيزهم في مناطق محددة،يسهل السيطرة عليها.
الاستيطان يتصاعد ويترافق مع حرب شاملة يشنها قطعان المستوطنين على شعبنا وأهلنا على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية…والهدف في كلا الحالتين واحد: الاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية، وطرد وتهجير أكبر عدد من السكان الفلسطينيين، وحصرهم في تجمعات سكانية تحولهم الى أقليات سكانية يعيشون في جزر متناثرة ضمن محيط إسرائيلي واسع، ولذلك ما يجري في النقب من حرب على الأرض الفلسطينية من خلال مشاريع التهويد يترافق مع مشاريع تهويدية أخرى في الجليل وفي الضفة الغربية والقدس، وهذا لا ينفصل عن سياسة طرد وتهجير وترحيل قسري ضمن سياسة تطهير عرقي ممنهجة، سواء ضد العرب الفلسطينيين في المدن المختلطة في الداخل الفلسطين48، مثل اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا، وضد العديد من الأحياء المقدسية في سلوان والشيخ جراح وبيت حنينا وبيت صفافا وغيرها.