مقالات

نتنياهو بين إحكام السيطرة ومواجهة الدولة العميقة: صراع البقاء في المشهد الصهيوني وفاء بهاني

لم تَعُد معركة بنيامين نتنياهو تقتصر على المواجهة مع المعارضة السياسية أو الاحتجاجات الشعبية، بل امتدت لتشمل صراعًا محتدمًا مع ما يُعرف في الكيان الصهيوني بـ”الدولة العميقة”. ويرى الكاتب الصهيوني شاي غولدمان أن نتنياهو ليس مجرد طرف في هذه المواجهة، بل هو نفسه يجسد الدولة العميقة، إذ يدير المشهد السياسي من وراء الستار، متجاهلًا الأزمات الداخلية والمصالح العامة، بينما يجمع بين أدوار الحاكم، والضحية، والعقل المدبر لكل ما يجري.

ورغم تصاعد الاحتجاجات ضده، سواء من قبل المعارضة أو عائلات الأسرى، يواصل نتنياهو تنفيذ أجندته مستفيدًا من تشرذم خصومه وغياب بديل سياسي قادر على تهديد سلطته بجدية. في المقابل، يُحذر قادة المعارضة، وعلى رأسهم بني غانتس، من أن الانقسامات الداخلية تتعمق إلى مستوى قد يفضي إلى صراع داخلي يُهدد استقرار الكيان الصهيوني برمّته.

وسط هذا التصعيد، فجّر نتنياهو أزمة جديدة بإقالة رئيس جهاز “الشاباك”، غونين بار، في خطوة هزّت المشهد السياسي والأمني. ففي حين رأى أنصاره أن القرار ضروري لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بما يتماشى مع سياسات الحكومة، اعتبرته المعارضة محاولة لتصفية الحسابات وإحكام السيطرة على مؤسسات الدولة.

وتفاقمت الأزمة مع اندلاع مواجهة غير مسبوقة بين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ورئيس “الشاباك” المُقال، إثر تقارير تفيد بأن الأخير أمر بفتح تحقيق بشأن بن غفير والشرطة بدعوى “تقويض نُظم السلطة”. وردّ بن غفير باتهام رئيس “الشاباك” بالخيانة والسعي لتنفيذ انقلاب ضد الحكومة، في مؤشر على تصاعد التوتر داخل المنظومة الأمنية والسياسية.

يبدو أن نتنياهو يسعى لإعادة تشكيل النظام السياسي والأمني بالكامل، خصوصًا بعد أحداث 7 أكتوبر، التي جعلته يدرك أن بقائه في السلطة مسألة حياة أو موت سياسيًا وشخصيًا. فأي تحقيق رسمي في الإخفاق الأمني غير المسبوق قد يفضي إلى محاكمته، لا سيما مع القضايا التي تلاحقه بتهم الفساد وسوء الائتمان. ولهذا، يسارع إلى بسط نفوذه على القضاء والأجهزة الأمنية والعسكرية، لضمان عدم محاسبته مستقبليًا.

وفي هذا السياق، لم يكن التباطؤ في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى سوى جزء من استراتيجيته. فبعد إتمام المرحلة الأولى من الاتفاق، استأنف القتال في غزة بهدف تحسين موقفه التفاوضي وتعزيز أوراقه سياسيًا وأمنيًا، بعد فشله في تحقيق نصر عسكري حاسم.

ولم تتوقف خطواته عند إقالة رئيس “الشاباك”، بل شملت أيضًا عزل وزير الحرب يؤاف غالانت، ويتجه الآن لإقالة المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهاراف-ميارا، مع فرض تعديلات على تركيبة لجنة اختيار القضاة لضمان ولائها لحكومته. وعلى الرغم من محاولاته تبرير هذه التحركات بأنها تأتي في إطار “حماية الديمقراطية”، فإن معارضيه يعتبرونها تهديدًا لاستقلالية المؤسسات وسعيًا لتركيز السلطة بيده.

إقالة المستشارة القانونية فجّرت موجة غضب جديدة، إذ رأت المعارضة أنها خطوة تهدف إلى تقويض النظام القانوني لصالح نتنياهو. من جهته، هاجم وزير القضاء ياريف ليفين المستشارة المُقالة، متهمًا إياها بـ”تدمير الديمقراطية بدلًا من الدفاع عنها”، فيما ردّت بهاراف-ميارا بأن قرار الإقالة لا يعدو كونه محاولة لتعزيز الولاء الشخصي للحكومة على حساب سيادة القانون.

تفاقم الانقسامات الداخلية بلغ ذروته بعد تمرير الكنيست قانون تغيير تركيبة لجنة اختيار القضاة، وهو القانون الذي وصفه وزراء حكومة نتنياهو بأنه “إصلاح لتعزيز الديمقراطية”، بينما تعتبره المعارضة “استكمالًا لتصفية استقلال القضاء”.

في ظل هذه التطورات، بات واضحًا أن نتنياهو لا يواجه المعارضة التقليدية فحسب، بل يخوض معركة شاملة لإعادة رسم المشهد السياسي والقضائي والأمني وفقًا لحساباته الخاصة. ويبقى السؤال الأهم: هل سينجح في فرض رؤيته، أم أن هذه المواجهة ستكون بداية النهاية لحكمه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى