مقالات

المقاومةُ قدرُ الأحرارِ: قاوِم حتى لو كنتَ أعزلَ

المقاومةُ قدرُ الأحرارِ: قاوِم حتى لو كنتَ أعزلَ

بقلم محمود كلم 

في لحظاتِ الحياةِ الفاصلة، عندما يُخيَّر الإنسانُ بين الاستسلامِ والمقاومة، بين الذُّلِّ والكرامة، يسطع نورُ الشجاعةِ كقيمةٍ أبدية، تصنعُ الفرقَ بين مَن يُخلِّدهُ التاريخُ ومَن يمحوهُ النسيان.

إنَّ الموتَ لحظةٌ عابرة، لكنَّ العارَ يبقى يُطارِدُ صاحبَهُ ما دامَ حيّاً، يُثقِلُ كاهلَهُ ويفقدهُ احترامَهُ لنفسهِ قبل الآخرين.

ليس كلُّ مَن يحملُ سلاحاً مقاوِماً، وليس كلُّ مَن يُجرَّدُ منهُ ضعيفاً. فالتاريخُ يُخبرُنا أنَّ أعظمَ الثوراتِ بدأت بالكلمة، وبالحجر، وبالأيدي العارية، لكنها كانت تشتعلُ بقلبٍ نابضٍ بالإيمانِ والعنفوان، وبإرادةٍ لا تُكسَرُ، وعزمٍ لا يلين. فالمقاومُ الحقيقيُّ لا ينتظرُ العُدَّةَ والعَتاد، بل يقفُ ثابتاً، مؤمناً بأنَّ معركةَ الكرامةِ لا تحتملُ التأجيل، وأنَّ الاحتلالَ أو الطغيانَ يسلبُ الإنسانَ كلَّ شيء، لكنه لا يستطيعُ أن يسلبَ منهُ شجاعتَهُ وإيمانَهُ بحقِّه في الحياةِ بحريةٍ وعزَّة.

حينما يجدُ الإنسانُ نفسَهُ في مواجهةِ الظلمِ، فإنَّ الصمتَ ليسَ نجاةً، بل بدايةُ الانهيار.
إنَّ أولَ خطوةٍ نحوَ التحرُّرِ هي رفضُ الاستسلام، ورفضُ الاستسلامِ يعني الاستعدادَ لدفعِ الثمنِ مهما كان. قد يكونُ الثمنُ دماً يُسفَكُ، أو جهداً يُبذَلُ، لكنه يبقى أقلَّ وطأةً من الخضوعِ للذُّلِّ والهوان.

إنَّ الشعوبَ التي انتصرت لم تكن تملكُ أقوى الجيوش، لكنها كانت تملكُ أقوى الإرادات.
فالثوراتُ الكبرى لم تصنعها القوَّةُ العسكريةُ وحدها، بل صنعتها قلوبٌ آمنت بأنَّ العيشَ في ظلِّ الاستعبادِ موتٌ بطيء، وأنَّ الموتَ في سبيلِ الكرامةِ ولادةٌ جديدة.

المقاومةُ الحقيقيةُ ليست مجردَ مواجهةٍ مادية، بل هي حالةٌ من الإيمانِ العميقِ بعدالةِ القضية.
إنَّ مَن يُقاتلُ بسلاحِ الإيمانِ لا يخافُ السقوطَ، لأنَّهُ يعلمُ أنَّ السقوطَ في ميدانِ الشرفِ انتصارٌ على الموتِ نفسه.

أبطالُ التاريخِ لم يكونوا مجرَّدَ جنودٍ يحملونَ السلاح، بل كانوا أرواحاً مشتعلة، لم يخشَوا التهديدَ أو القتلَ، لأنهم أدركوا أنَّ العدوَّ قد يستطيعُ إنهاءَ حياتِهم، لكنهُ لن يستطيعَ قتلَ فكرتِهم. فالفكرةُ أقوى من السيف، والمبدأُ أصلبُ من الرصاص، والإيمانُ لا يمكنُ أن يُهزَمَ، حتى لو سقطَ الجسدُ.

قد يرى البعضُ أنَّ النصرَ هو النجاةُ من الموت، لكنَّ الحقيقةَ أنَّ النصرَ هو العيشُ بكرامةٍ أو الموتُ دونَ انحناء.
مَن يُقاتلُ بشرفٍ لا يخسرُ أبداً، حتى لو سقطَ في المعركة. فكلُّ مقاومٍ يسقطُ، يولَدُ خلفهُ ألفُ مقاوم، وكلُّ صوتٍ يُخمِدُهُ الطغيانُ يردِّدُهُ الزمنُ بصوتٍ أعلى وأقوى.

إنَّ العارَ لا يُلاحِقُ مَن ماتَ مدافعاً عن حقِّه، بل يُلاحِقُ مَن باعَ شرفَه، ومَن خافَ أن يصرخ، ومَن اختارَ الذُّلَّ وارتضاهُ لنفسه. فالموتُ لحظةٌ عابرة، لكنَّ الذُّلَّ حياةٌ كاملةٌ من الخنوعِ والندمِ والخذلان.

عندما تنظرُ إلى الواقعِ حولكَ، ستجدُ أنَّ المقاومةَ ليست حكراً على الميادينِ العسكرية، بل هي موقفٌ يوميٌّ في وجهِ الظلمِ بكلِّ أشكاله.
كُن مناصراً للحقِّ ولو بكلمة، كُن صوتاً لمَن لا صوتَ له، لا تخف أن تكونَ وحدَكَ في البداية، فكلُّ الثوراتِ العظيمةِ بدأت بفردٍ رفضَ الاستسلام.

تذكَّر دوماً: قد يُطوِّقونَ جسدكَ، قد يُجرِّدونكَ من سلاحكَ، لكنهم لن يستطيعوا أبداً أن ينزعوا منك شجاعتكَ، فَقاوِم… حتى لو كنتَ أعزلَ!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى