انتخابات الجزائر 2024……. بين إرادة التغيير وتحديات الاستمرارية وفاء بهاني

انتخابات الجزائر 2024……. بين إرادة التغيير وتحديات الاستمرارية
وفاء بهاني
الانتخابات الرئاسية الجزائرية لعام 2024 تشكل مرحلة حاسمة في تاريخ البلاد، خاصة بعد الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر في السنوات الأخيرة وأدى إلى تنحي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، الذي تولى السلطة بعد انتخابات 2019، يسعى الآن إلى الفوز بولاية ثانية وسط تنافس مع مرشحين آخرين، مثل الإسلامي المعتدل عبد العالي حساني شريف والاشتراكي يوسف أوشيش. التحدي الأكبر لتبون في هذه الانتخابات لا يتمثل في منافسيه بقدر ما يتمثل في نسبة المشاركة الشعبية، إذ تشير بعض المؤشرات إلى احتمال انخفاض الإقبال على صناديق الاقتراع.
في انتخابات 2019 التي أوصلت تبون إلى الحكم، بلغت نسبة المشاركة حوالي 40%، وهي نسبة أثارت جدلًا واسعًا حول مدى ثقة الشعب في العملية الانتخابية والسياسية. ولذا فإن نسبة المشاركة في انتخابات 2024 تُعد رهانًا رئيسيًا بالنسبة للرئيس تبون، الذي يأمل في تعزيز شرعيته كرئيس قادر على توحيد البلاد وتحقيق الاستقرار بعد فترة من الاضطرابات. يُنظر إلى هذه الانتخابات على أنها فرصة للنظام لاستعادة ثقة الشعب، لكن ذلك يعتمد بشكل كبير على مدى اهتمام المواطنين بالمشاركة في هذا الاستحقاق.
تبون، الذي يبلغ من العمر 78 عامًا، يحظى بدعم قوي من الأحزاب الرئيسية في البرلمان الجزائري، مثل جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقبل. حملته الانتخابية تركز بشكل رئيسي على وعوده بمواصلة إصلاح الاقتصاد الجزائري، الذي يعتمد بشكل كبير على قطاع المحروقات، وبالأخص صادرات الغاز الطبيعي، التي تمثل عصب الاقتصاد الوطني. التحديات الاقتصادية التي تواجه الجزائر تُعد من بين أبرز قضايا هذه الانتخابات، إذ تعاني البلاد من ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. تبون يؤكد في حملته على أنه خلال ولايته الأولى نجح في تحقيق استقرار نسبي في الاقتصاد وإطلاق مشاريع تنموية جديدة، رغم الأزمات التي فرضتها جائحة كورونا وتحديات أخرى مثل الفساد المستشري في البلاد.
إلى جانب ذلك، شهدت الجزائر في عهد تبون تطورًا ملحوظًا على عدة أصعدة. فقد عمل على تعزيز قطاع السياحة وجعل الجزائر وجهة سياحية إقليمية واعدة، عبر تحسين البنية التحتية وتسهيل الاستثمار الأجنبي في هذا المجال. كما أن القطاع الثقافي شهد نهضة ملحوظة من خلال دعم الفنون والثقافة الوطنية وتعزيز الهوية الجزائرية على الساحة العالمية.
على المستوى الاقتصادي، شهدت البلاد في عهد تبون تحسنًا تدريجيًا في معدلات البطالة، حيث تراجعت بشكل ملحوظ، مما أتاح فرص عمل جديدة للعديد من الشباب الجزائري. السياسات الاقتصادية التي تبناها الرئيس خلال ولايته الأولى ركزت على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على المحروقات، ما أسهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا.
الدبلوماسية الجزائرية بدورها حظيت بإشادة كبيرة خلال فترة تبون، حيث عملت الجزائر على تعزيز علاقاتها الإقليمية والدولية. وقد أثنى العديد من الجهات الدبلوماسية على دوره في تحقيق الاستقرار السياسي ودعم القضايا الإقليمية والدولية العادلة، مثل القضية الفلسطينية ومسألة الصحراء الغربية، مما عزز مكانة الجزائر كقوة إقليمية رائدة في شمال إفريقيا.
في الجانب الآخر، يسعى المرشح عبد العالي حساني شريف، الإسلامي المعتدل، إلى تقديم بديل سياسي واقتصادي لتبون. شريف، الذي يترأس حزب حركة مجتمع السلم، يعتمد على خطاب يدعو إلى الإصلاحات الجذرية ومعالجة البطالة وتحسين مستوى المعيشة، ويأمل في كسب تأييد الناخبين الذين يشعرون بعدم الرضا عن الأوضاع الحالية. شريف يروج لحل الأزمات الاقتصادية عبر تقليل الاعتماد على المحروقات وتوسيع القطاعات الأخرى مثل الزراعة والصناعة. ورغم أن حزبه كان قد امتنع عن المشاركة في انتخابات 2019، فإن شريف يرى في انتخابات 2024 فرصة لتقديم رؤية سياسية جديدة تكون أقرب لتطلعات الشعب الجزائري، لا سيما الشباب الذين يشكلون أكثر من نصف السكان.
المرشح الآخر، يوسف أوشيش، يمثل التيار الاشتراكي وهو عضو في حزب جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في الجزائر. أوشيش، الذي يبلغ من العمر 41 عامًا، ينتمي إلى منطقة القبائل التي تمثل معقلًا تاريخيًا لجبهة القوى الاشتراكية. يتميز برنامجه الانتخابي بالتوجهات اليسارية التي تركز على العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة، وهو يدعو إلى بناء اقتصاد يعتمد على الإنتاج المحلي وتخفيف الاعتماد على العائدات النفطية. إلا أن التحدي الأكبر أمام أوشيش يكمن في مدى قدرته على جذب الناخبين، خاصة وأن جبهة القوى الاشتراكية قاطعت الانتخابات الرئاسية منذ عام 1999.
إلى جانب القضايا الاقتصادية والاجتماعية، تظل السياسة الخارجية الجزائرية ثابتة نسبيًا في هذه الانتخابات. المرشحون الثلاثة يتفقون على أهمية الحفاظ على الدور الإقليمي والدولي للجزائر، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المحورية مثل دعم القضية الفلسطينية ومسألة الصحراء الغربية. الجزائر، باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في إفريقيا وأحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي، تلعب دورًا مهمًا في الاستقرار الإقليمي، وتسعى إلى الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع القوى الكبرى مع الحفاظ على استقلالية سياستها الخارجية.
ومع بدء عملية التصويت، التي انطلقت للجزائريين المقيمين في الخارج منذ أيام، يُنتظر أن تكون نسبة المشاركة في الداخل مؤشرًا حاسمًا على مصير هذه الانتخابات. الانتخابات الحالية تُجرى في ظل ظروف جغرافية معقدة، إذ تتطلب إدارة عملية التصويت في بلد واسع المساحة يفوق 2.3 مليون كيلومتر مربع، أغلبها مناطق صحراوية. السلطات الجزائرية قامت بتخصيص مراكز اقتراع متنقلة لتغطية المناطق النائية وضمان مشاركة أوسع في التصويت.
رغم هذه الجهود، يبقى الإقبال على الانتخابات موضع تساؤل، حيث جرت الحملات الانتخابية في ظروف غير مثالية. فصل الصيف الحار، مع قلة النشاط السياسي مقارنة بالانتخابات السابقة، أثر على حجم الحضور في المهرجانات الانتخابية التي كانت في الماضي جزءًا أساسيًا من العملية الانتخابية. الحملات الانتخابية هذا العام كانت أكثر هدوءًا، وربما يعكس ذلك حالة من عدم اليقين لدى الناخبين حول جدوى العملية السياسية. ومع ذلك، يبقى الأمل معقودًا على أن تكون الانتخابات فرصة لتحقيق نقلة نوعية في المسار السياسي الجزائري.
إن الانتخابات الرئاسية في الجزائر لعام 2024 تُعد مفترق طرق حقيقيًا للبلاد. في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالجزائر، ورغبة الشعب في التغيير بعد سنوات من الاستقرار الهش، تتجه الأنظار إلى نتائج هذه الانتخابات التي ستحدد مستقبل البلاد لعقود قادمة. هل سيكون الرئيس القادم قادرًا على معالجة الأزمات المستمرة وتوحيد البلاد تحت راية الإصلاحات الجادة؟ أم أن الانتخابات ستعيد إنتاج نفس التحديات القديمة التي دفعت بالجزائريين إلى النزول إلى الشوارع في الحراك الشعبي؟
في النهاية، الانتخابات في الجزائر لعام 2024 ليست مجرد استحقاق سياسي عادي، بل هي اختبار حقيقي لقدرة النظام السياسي على التكيف مع مطالب الشعب والتعامل مع تحديات المستقبل.